سورة الذاريات - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


قوله جلّ ذكره: {فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أي: إنَّ البعثَ والنشرَ لَحَقٌّ.
ويقال: إنَّ نصري لمحمدٍ ولديني، وللذي أتاكم به من الأحكام- لحقٌّ مثل ما أنَّكم تنطقون.
كما يقال: هذا حقٌّ مثل ما أنك ها هنا.
ويقال: معناه: إنَّ اللَّهَ رازقُكم- هذا القولُ حقٌّ مثلما أنكم إذا سُئِلْتُم: مَنْ رَبُّكم؟ ومَنْ خالقكم؟ قلتم: الله.... فكما أنكم تقولون: إن الله خالق- وهذا حقٌّ..... كذلك القولُ أَنَّ اللَّهَ رازقٌ- هو أيضاً حقٌّ.
ويقال: كما أنَّ نُطْقَكَ لا يتكلم به غيرُك فرزقُكَ لا يأَكلُه غيرك.
ويقال: الفائدة والإشارة في هذه الآية أنه حال بزرفك على السماء، ولا سبيلَ لك إلى العروج إلى السماء لتشتغلَ بما كلفك ولا تعنَّى في طلب ما لا تصل إليه.
ويقال: في السماء رزقكم، وإلى السماء يُرْفَعُ عَمَلُكُم.... فإنْ أرَدْتَ أنْ ينزلَ عليكَ رزقُك فأَصْعِدْ إلى السماءِ عمَلَكَ- ولهذا قال: الصلاةُ قَرْعُ باب الرزق، وقال تعالى: {وَأَْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً} [طه: 132].
قوله جلّ ذكره: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}.
قيل في التفاسير: لم يكن قد أتاه خبرُهم قبل نزول هذه الآية.
وقيل: كان عددُهم اثني عشر مَلَكاً. وقيل: جبريل وكان معه سبعة. وقيل: كانوا ثلاثة.
وقوله: {الْمُكْرَمِينَ} قيل لقيامه- عليه السلام- بخدمتهم. وقيل: اكرم الضيفَ بطلاقة وجهه، والاستبشار بوفودهم.
وقيل: لم يتكلَّف إِبراهيمُ لهم، وما اعتذر إليهم- وهذا هو إكرام الضيف- حتى لا تكون من المضيف عليه مِنَّةٌ فيحتاج الضيف إلى تحملها.
ويقال: سمّاهم مكرمين لأن غير المدعوِّ عند الكرام كريم.
ويقال: ضيفُ الكرام لا يكون إلا كريماً.
ويقال: المكرمين عند الله.


قوله جلّ ذكره: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}.
أي سلَّمنا عليك {سَلاَماً} فقال إبراهيم: لكم مني {سَلاَمَاً}.
وقولُهم: {سَلاماً} أي لك منّا سلام، لأنَّ السلامَ: الأمانُ.
{قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}: أي أنتم قوم منكرون؛ لأنه لم يكن يعرف مِثْلَهم في الأضياف ويقال: غُرَبَاء.
قوله جلّ ذكره: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأَْكُلُونَ}.
أي عَدَلَ إليهم من حيث لا يعلمون وكذلك يكون الروغان.
{فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} فشواه، وقرَّبه منهم وقال: {أَلاَ تأْكُلُونَ} وحين امتنعوا عن الأكل: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ}.
تَوَهَّمَ أنهم لصوص فقالوا له: {لاَ تَخَفْ}.
{وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ}: أي بَشَّروه بالوَلد، وببقاء هذا الوَلَدِ إلى أن يصير عليماً؛ والعليم مبالغة من العلم، وإنما يصير عليماً بعد كبره.
{فََأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِى صَرّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}.
{فِى صَرَّةٍ} أي في صيحة شديدة، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي فضربت وجهها بيدها كفعل النساء {وَقَالَتْ عُجُوزٌ عَقِيمٌ}: أي أنا عجوز عقيم. وقيل: إنها يومَها كانت ابنةَ ثمانٍ وتسعين سنة، وكان إبراهيمُ ابنَ تسع وتسعين سنة.
{قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}.
أي قلنا لكِ كما قال ربُّكِ لنا، وأنْ نُخْبِرَكِ أنَّ اللَّهَ هو المُحْكِمُ لأ فعالِه، {الْعَلِيمُ} الذي لا يخفى عليه شيء.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}.
سألهم: ما شأنُكم؟ وما أمرُكم؟ وبماذا أُرْسِلْتُم؟
{قَالُوآ إِنَّا أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حَجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ}.
هم قوم لوط، ولم نجد فيها غيرَ لوطٍ ومَنْ آمن به.
قوله جلّ ذكره: {وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}.
تركنا فيها علامةً يعتبر بها الخائفون- دون القاسية قلوبهم.
قوله جلّ ذكره: {وَفِى مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.
أي بحجة ظاهرة باهرة. إلى قوله: {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]: أي جعنا بينهما وبين الأرض سعة، {وإنا لقادرون}: على أن نزيد في تلك السعة.


{وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ}.
أي جعلناها مهاداً لكم ثم أثنى على نَفْسه قائلاً: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}.
دلَّ بهذا كلَّه على كمال قدرته، وعلى تمام فضله ورحمته.
قوله جلّ ذكره: {وَمِن كُلِّ شَئ خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
أي صنفين في الحيوان كالذَّكَرِ والأنثى، وفي غير الحيوانِ؛ كالحركة والسكون، والسواد والبياض، وأصناف المتضادات.
قوله جلّ ذكره: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
أي فارجِعوا إلى الله- والإنسان بإحدى حالتين؛ إِمَّا حالة رغبةٍ في شيءٍ، أو حالة رهبة من شيء، أو حال رجاء، أو حال خوف، أو حال جَلْبِ نَفْعٍ أو رفع ضُرٍّ , وفي الحالتين ينبغي أَنْ يكونَ فِرارُه إلى الله؛ فإنَّ النافعَ والضارَّ هو اللَّهُ.
ويقال: مَنْ صَحَّ فِرارُه إلى اللّهِ صَحَّ قَرارُه مع الله.
ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من الجهل إلى العلم، ومن الهوى إلى التُّقَى، ومن الشّكِّ إلى اليقين، ومن الشيطانِ إلى الله.
ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من فعله- الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته، ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته، ومن نفسه- حيث قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] إلى نفسه حيث قال: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ}.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِِلَهاً ءَاخَرَ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
أُخَوِّفُكم أليمَ عقوبته إنْ أَشركْتُم به- فإِنَّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به.
ثم بيَّنَ أنه على ذلك جرَت عادتُهم في تكذيب الرُّسُل، كأنهم قد توصوا فيما بينهم بذلك.
قوله جلّ ذكره: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ}.
فأَعْرِضْ عنهم فليست تلحقك- بسوء صنيعهم- ملامةٌ.
قوله جلّ ذكره: {وَذَكِّرْ فَإِنٍَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
ذَكِّر العاصين عقوبتي ليرجعوا عن خالفةِ أمري، وذَكِّر المطيعين جزيلَ ثوابي ليزدادوا طاعةً وعبادةً، وذَكِّرْ العارفين ما صرَفْتُ عنهم من بلائي، وذكِّرْ الأغنياءَ ما أَتَحْتُ لهم من إحساني وعطائي، وذَكِّر الفقراء ما أوجبْتُ لهم من صَرْفِ الدنيا عنهم وأَعْدَدْتُ له من لقائي.

1 | 2 | 3 | 4